بني ملال - بقلم
: محمد المخطاري
تحولت مدينة بني
ملال، في صمت مثير للقلق، إلى وجهة غير رسمية لاحتضان عشرات المختلين عقليًا الذين
يتم ترحيلهم، بشكل يوصف بـ"القسري "، من مدن سياحية وساحلية كبرى، نحو
عاصمة جهة بني ملال خنيفرة. وضعٌ بدأ يثير استياء الساكنة المحلية، التي لم تعد
تخفي قلقها مما سمّته بـ"الإغراق الممنهج" للمدينة بأشخاص يعيشون
أوضاعًا نفسية صعبة دون أي تأطير طبي أو اجتماعي.
منذ أسابيع،
يشهد محيط المحطة الطرقية ببني ملال وصول عدد من المختلين عقليًا عبر ناقلات قادمة من مدن بعيدة، في مشهد بات يتكرر بطريقة
توحي بوجود تنسيق ما بين مسؤولي مدن كبرى وسائقين أو وسطاء. وغالبًا ما يتم إنزال
هؤلاء الأشخاص دون أوراق هوية أو إشراف من أي جهة مختصة، ليجدوا أنفسهم عرضة
للتشرد، الجوع، والاستغلال في شوارع لا ترحم.
أمام هذا
الواقع، بدأ سكان المدينة يطلقون على بني ملال وصف "بويا عمر الجديد"،
في إشارة رمزية إلى الضريح الشهير الذي كان سابقًا يُستعمل كملجأ للمختلين عقليًا
قبل أن تقرر السلطات إغلاقه سنة 2015 بسبب انتقادات حقوقية قاسية حول الظروف
اللاإنسانية التي كان يعيشها النزلاء داخله.
غير أن الفارق
هذه المرة، هو أن بني ملال ليست مركز إيواء ولا تتوفر على بنية طبية متخصصة قادرة
على استيعاب الأعداد المتزايدة، ما يجعل الأمر أكثر خطورة من "بويا عمر"
نفسه.
ورغم تفاقم
الوضع، تلتزم الجهات الرسمية الصمت، في حين أطلقت عدد من الجمعيات المحلية نداءات
مستعجلة للتدخل الفوري.
جمعية محلية
وصفت الأمر بـ"الوضعية اللاإنسانية"، داعية إلى فتح تحقيق شفاف حول
الجهات التي تسهّل هذا النوع من الترحيل، في انتهاك واضح لكرامة الإنسان وحقه في
العلاج والحماية.
أخصائيون في
الطب النفسي يرون أن تكدّس هؤلاء الأشخاص في الشوارع، دون دواء أو متابعة، يشكل
خطرًا مضاعفًا، سواء عليهم أنفسهم أو على المجتمع ككل. فبعضهم يعاني من نوبات عنف
أو هلوسات حادة، وقد يتعرض للاستغلال أو التعنيف من طرف مارة أو مجرمين.
يبقى السؤال
معلقًا على شفاه الملاليين: إلى متى ستظل بني ملال تتحمّل عبءًا لم تختره؟ ومتى تعترف الدولة بأن مرضى النفس
والعقل ليسوا "ملفًا للنقل" بل "قضية علاج وكرامة وإنسانية"؟

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق