تواصل غرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف في
الدار البيضاء النظر في ملف ثقيل يتابع فيه محمد مبديع، الوزير السابق ورئيس جماعة
الفقيه بنصالح الأسبق، على خلفية اتهامات تتعلق باختلالات مالية وتدبيرية خلال
فترة ترؤسه للجماعة الترابية.
وخلال جلسة يوم الخميس 29 ماي الجاري، استمعت المحكمة لأحد المتهمين
في الملف، ويتعلق الأمر بالموظف الجماعي "حسن ف."، الذي يشغل مهمة محاسب
داخل الجماعة، والذي أنكر التهم الموجهة إليه، نافياً تورطه في أي خروقات مالية أو
تدبيرية.
أدلى المتهم بتصريحات مفادها أن تنظيم المهرجانات المحلية كان يعاني
من صعوبات مالية خانقة، موضحاً أن محمد مبديع تدخل في مناسبتين عامي 2013 و2015 من
خلال تحويل مبالغ مالية من حسابه الشخصي إلى حساب الجمعية المنظمة بقيمة 100 ألف
درهم و400 ألف درهم على التوالي، بهدف تغطية مستحقات فنانين، من بينهم حجيب
والستاتي، عبر وسيط مكلف بالتنسيق مع الفنانين.
ورغم إقراره بعدم توفر دعم رسمي كافٍ حينها، واجه القاضي المتهم
بوثيقة تُظهر تحويلًا آخر من حساب مبديع إلى الجمعية بقيمة 500 ألف درهم، ليرد بأن
الأمر كان عبارة عن "سُلفة مؤقتة"، مؤكداً أن الجمعية سددت المبلغ
لاحقاً.
إلا أن وثيقة أخرى كشفت عن تحويل عكسي من حساب فتاح إلى حساب مبديع
بنفس القيمة، مما أثار تساؤلات المحكمة، وهو ما برره المتهم بكونه عملية توثيقية
لضمان الشفافية، على حد قوله.
وفي نقطة أثارت الجدل، اعترف المتهم بوجود حالة تنافٍ قانوني في
تمويل الجمعية من ميزانية الجماعة، قائلاً: "نعم، من الناحية القانونية هناك
تنافٍ، لكن في الواقع لا يُؤخذ دائماً بهذا الشكل".
كما أقر المتهم بسحب 400 ألف درهم من حساب الجمعية بأمر من رئيسها،
دون وجود وثائق واضحة تثبت طبيعة الخدمات المقدمة، مكتفياً بالقول إن تلك المبالغ
صُرفت لإطعام ضيوف المهرجان من أعيان ومسؤولين.
القاضي واجه المتهم أيضاً بتحويل مالي لفنان بقيمة 40 ألف درهم، في
غياب تعليل مالي رسمي، وهو ما فُسر بتقاعس غرفة الصناعة التقليدية عن أداء بعض
المستحقات، ما دفع الرئيس إلى تغطيتها تفادياً للاحتجاجات.
ومن أبرز النقاط التي استرعت انتباه المحكمة، وثيقة تعود لسنة 2015
تحمل توقيع مبديع رغم كونه خارج البلاد في تلك الفترة، إلى جانب تكرار استفادة
شركات بعينها من صفقات الجمعية، ما يطرح علامات استفهام حول احترام مبدأ المنافسة
والشفافية.
وقد علّق المتهم على هذه النقطة بأن اللجان المنبثقة عن مجلس الجمعية
هي التي تتولى اختيار الشركات، نافياً وجود بدائل كثيرة في منطقة الفقيه بنصالح.
في سياق الجلسة، وجّه محامي منظمة حماية المال العام سؤالاً للمتهم
حول منطق تنظيم مهرجان دون اعتماد مالي رسمي، وهو ما رد عليه فتاح بالقول إن
الاعتماد كان مبرمجاً لكنه لم يُصرف بعد. غير أن المحامي قدم وثائق تُثبت توفر
اعتماد مالي بقيمة 38 ألف درهم، ما دفع المتهم إلى التحاشي عن الإجابة المباشرة.
لا تزال المحكمة تواصل الاستماع لباقي المتهمين في هذا الملف الذي
يُعد من أبرز القضايا المالية التي شغلت الرأي العام المغربي في الآونة الأخيرة،
حيث تتجه الأنظار نحو استجلاء الحقائق وكشف المسؤوليات، وسط مطالب متزايدة بتعزيز
آليات الرقابة وحماية المال العام.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق