جهة بني ملال-خنيفرة: من التهميش التنموي إلى خزان انتخابي…
حين تحلّ الأصوات مكان
النخبة
بقلم : محمد
المخطاري
في غضون يومين
فقط، تحولت جهة بني ملال-خنيفرة إلى وجهة مفضلة لعدد من كبار القيادات السياسية
لثلاثة من أبرز الأحزاب الوطنية. هذا الحضور المكثف لم يكن وليد الصدفة، بل يعكس
وعيًا متزايدًا لدى الفاعلين السياسيين بأهمية هذه الجهة، التي، رغم تصنيفها ضمن
أفقر الجهات في المغرب، تُمثل خزانًا انتخابيًا حاسمًا بامتياز. فما الذي يجعل
منطقة تعاني من ضعف تنموي مزمن تتحول إلى محور استقطاب سياسي؟ جزء من الجواب يكمن
في غياب نخب محلية قوية تمتلك نفوذًا فعليًا داخل دوائر القرار المركزي، ما يفتح
المجال أمام الأحزاب لتكثيف حضورها وفرض نفوذها الانتخابي.
جهة
بلا نخبة... تنمية بلا أفق
رغم رصيدها
الديمغرافي وتنوعها الاقتصادي، ما تزال جهة بني ملال-خنيفرة تعاني من غياب نخب
سياسية قادرة على اختراق دوائر القرار المركزي. فباستثناء حضور محتشم في البرلمان
أو المجالس المحلية، يغيب الفاعل السياسي المؤثر القادر على تحويل المطالب
التنموية إلى أوراش فعلية. هذا الفراغ في التمثيلية يفسر جزئيًا استمرار تهميش
الجهة، وغيابها عن خارطة المشاريع الكبرى، رغم حاجتها الملحة إلى الاستثمار
والتأهيل.
نتيجة
الغياب: جهة صوتية لا تقريرية
في ظل غياب نخبة
سياسية فاعلة، تحوّلت جهة بني ملال-خنيفرة إلى مجرد خزان انتخابي للأحزاب الكبرى؛
فضاء تُستثمر فيه الأصوات بدل البرامج، وتُحشد فيه الحملات بدل أن تُصاغ فيه رؤى
استراتيجية.
تتعامل الأحزاب
مع الجهة كفرصة انتخابية سهلة، مدفوعة بعدة عوامل متداخلة، أبرزها:
هشاشة الوضعين
الاقتصادي والاجتماعي لغالبية الساكنة،
غياب ثقافة
سياسية قائمة على المحاسبة،
وضعف المنافسة
المبنية على الرؤى والأفكار بدل الولاءات والانتماءات التقليدية.
نتيجة لذلك،
أصبحت الجهة ساحة مفتوحة للمزايدات الخطابية والمناورات السياسية، دون أن يقابل
ذلك أي استثمار حقيقي في البنيات التحتية أو إطلاق مشاريع تنموية ذات أثر مستدام.
من
التهميش التنموي إلى التوظيف الانتخابي
تشير مؤشرات
التنمية البشرية إلى أن جهة بني ملال-خنيفرة لا تزال تراوح مكانها في ذيل
التصنيفات الوطنية، سواء من حيث الصحة والتعليم، أو على مستوى التشغيل، البنية
التحتية، وجذب الاستثمارات.
ورغم هذا
الواقع، تشهد الجهة اهتمامًا سياسيًا موسميًا يتصاعد مع اقتراب الاستحقاقات
الانتخابية أو عند بدء الترتيبات الحزبية للمرحلة المقبلة.
ويُفسَّر هذا
السلوك بأن الفاعل السياسي ينظر إلى الجهة كوسيلة للصعود السياسي، لا كغاية تنموية
في حد ذاتها؛ ما يعكس اختلالًا عميقًا في العلاقة بين المركز والمجال، ويكرّس منطق
الاستغلال الظرفي بدل الشراكة الإستراتيجية.
قيادة
محدودة الأفق وغياب الترافع السياسي
إلى جانب غياب
النخب القادرة على التأثير، تعاني جهة بني ملال-خنيفرة من قيادة جهوية ضيقة الأفق،
تركز على مهارات التمويه الانتخابي المحلي بدلاً من بناء مشاريع تنموية
استراتيجية. هذه القيادة، التي تعتمد بشكل كبير على آليات انتخابية مؤقتة وضيقة،
تفتقر إلى رؤية واضحة للتنمية ولعب دور فاعل داخل دوائر القرار المركزي. ويتفاقم
الوضع بوجود ضوابط غير معلنة تعتمد على المال السياسي، مما يكرّس حالة من
الاستغلال الانتخابي ويحول دون بروز قيادات سياسية جديدة قادرة على الترافع
الحقيقي والمستدام لصالح الجهة.
نحو
وعي جهوي جديد
يفرض الوضع
الراهن، وبإلحاح، إعادة طرح سؤال بناء نخبة سياسية جديدة في جهة بني ملال-خنيفرة؛
نخبة تضمن تمثيلية حقيقية تعبّر عن تطلعات الساكنة، وتمتلك قدرة تفاوضية داخل
المؤسسات الوطنية، وتتبنّى مشاريع تنموية تتلاءم مع الإمكانات الغنية التي تزخر
بها الجهة.
فالتحرر من منطق
"الخزان الانتخابي" يمر حتمًا عبر بروز نخب تحمل مشروعًا واضحًا،
وتُدافع عن الجهة من موقع الفعل والتأثير، لا من موقع التبعية والانتظار.
جهة بني
ملال-خنيفرة ليست اليوم مجرد فضاء يعاني من الهشاشة التنموية، بل أصبحت مرآة تعكس
خللاً بنيويًا في العلاقة بين المركز والجهات، وبين النخب السياسية ومجتمعاتها
المحلية.
وما لم تتمكن
هذه الجهة من إنتاج نخبتها السياسية الواعية والمطالبة بحقوقها داخل دوائر القرار،
فستظل، للأسف، مجرد صوت يُستدعى عند الحاجة، ويُنسى بمجرد انتهاء المواسم
الانتخابية.
.png)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق