آيت بوكماز بين الاحتجاجات ومناورات السياسة:
صرخة جبلية تكشف عن صراع خفي
العدالة المجالية... الخاسر الأكبر وسط الحسابات
✍️ محمد المخطاري
في قلب الأطلس
الكبير، تحديدًا بجماعة تبانت بإقليم أزيلال، تحولت مسيرة احتجاجية سلمية قادها
سكان منطقة آيت بوكماز إلى حدث بارز أعاد رسم معالم التفاعل بين التنمية المحلية
والصراع السياسي، بل وأخرج إلى العلن تصدعات كامنة داخل الأغلبية الحكومية على
مستوى جهة بني ملال خنيفرة. ورغم الطابع الاجتماعي الظاهر للمطالب، إلا أن خلفيتها
وتفاعلاتها تكشف عن دينامية سياسية متشابكة، تستبق انتخابات 2026 وتعيد صياغة
الاصطفافات الحزبية.
احتجاج اجتماعي
بمطالب مشروعة... و صدى سياسي متسارع
خرج المئات من ساكنة آيت بوكماز في مسيرة مشيًا
على الأقدام نحو مقر عمالة أزيلال. شعارات المحتجين تمحورت حول فك العزلة، تأهيل
البنية التحتية، تحسين خدمات التعليم والصحة، وربط المنطقة بشبكات الاتصال.
غير أن ما أضفى
طابعًا خاصًا على المسيرة هو مشاركة رئيس جماعة تبانت، خالد تيكوكين، المنتمي إلى
حزب العدالة والتنمية، حيث شوهد في الصفوف الأمامية، حاملاً شعارات المحتجين. هذا
الحضور فُسِّر لدى البعض كموقف داعم، ولدى آخرين كتحرك انتخابي مبكر يُوظّف وجع
الساكنة في معركة العودة إلى البرلمان.
تيكوكين سارع
إلى نفي أية علاقة تنظيمية له بالمسيرة، مؤكدًا أنه شارك بصفته "مواطنًا
غيورًا" على المنطقة، فيما حمّل بعض الأطراف مسؤولية "تسييس الاحتجاج
وتحريفه عن مساره الاجتماعي".
العدالة
والتنمية يدافع عن منتخبَيه... وبرلماني عن الأحرار يهاجم رئيس الجهة
الكتابة
الإقليمية لحزب العدالة والتنمية بأزيلال أعلنت دعمها الصريح للمحتجين، مشيدة
بـ"الأسلوب الحضاري" للمسيرة، ومعتبرة أن مطالب السكان "تعكس
تراكمات طويلة من التهميش وسوء التوزيع المجالي". وفي الوقت نفسه، انتقد
الحزب من وصفهم بـ"من يسعون لتبخيس جهود المنتخبين" وتحريف النقاش نحو
سجال سياسوي فارغ.
في المقابل،
فُتحت جبهة صراع جديدة داخل الأغلبية الحكومية نفسها، حيث خرج رشيد منصوري، النائب
البرلماني عن حزب التجمع الوطني للأحرار، يتهم فيها عادل براكات، رئيس جهة بني
ملال خنيفرة (عن الأصالة والمعاصرة)، بـ"ابتزاز رؤساء جماعات وعرقلة مشاريع
موقعة سلفًا". وقد طالب بفتح تحقيق في هذا الشأن، ما اعتُبر تصعيدًا غير
مسبوق داخل مكونات التحالف الثلاثي.
و كان براكات قد
وجّه انتقادات لوزيرة تنتمي لحزب الأحرار، متهمًا إياها بـ" رفضها لأحد الاتفاقيات
الخاصة الجهة"، في مشهد يكشف هشاشة
الانسجام داخل الأغلبية.
هل المنسق
الجهوي للأحرار غائب... أم يُدير المعركة من الخلف؟
في خضم هذه
التفاعلات، يطرح مراقبون تساؤلًا عن سر غياب المنسق الجهوي لحزب التجمع الوطني
للأحرار، في وقت يتصدر فيه نواب الحزب الهجوم الإعلامي والسياسي. هل يُمارس الرجل
سياسة "التقية"؟ أم أنه يُدير الاستراتيجية من وراء الستار عبر مستشارين
كثّفوا زياراتهم للمنطقة مؤخرًا؟
العديد من
التحركات الميدانية التي قادها مستشارون وبرلمانيون مقربون منه، تعزز هذه الفرضية،
وتُشير إلى سعي الحزب لاستعادة المبادرة الميدانية دون إثارة الصدام المباشر، في
انتظار لحظة سياسية أكثر نضجًا.
حزب الأصالة
والمعاصرة... الصمت المطبق في عين العاصفة
رغم أن رئيس
الجهة في قلب العاصفة السياسية، التزم حزب الأصالة والمعاصرة صمتًا غريبًا. فلا
بلاغات توضيحية، ولا تصريحات داعمة أو نافية، في موقف حيّر المتابعين، وطرح
تساؤلات حول قدرة الحزب على خوض معركة ميدانية في وجه خصومه داخل الأغلبية.
مقربون من الحزب
يرون أن "البام" يُعيد ترتيب أوراقه بهدوء، ويفضّل عدم توريط نفسه في سجالات
إعلامية قد تحرق أوراقًا مهمة قبيل الانتخابات. لكن استمرار هذا الصمت قد يُفهم ترددا
في الدفاع عن منجزات رئيس الجهة.
صراع البرلمان
يبدأ من الجبل
العديد من
المؤشرات توحي بأن ما يجري في آيت بوكماز ليس سوى مقدمة لصراع انتخابي قادم. فـخالد
تيكوكين، البرلماني السابق، يُتوقع أن يكون من أبرز العائدين لخوض تشريعيات 2026،
خاصة وأن ظهوره في قلب المسيرة الاحتجاجية منحه تعاطفًا شعبيًا ملحوظًا، رغم
اتهامات التسييس.
من جانبه،
يُراهن عادل براكات على الحفاظ على تماسك الجهة تحت لوائه، وعدم السماح بتمدد
خصومه في الجماعات ذات الحساسية الانتخابية. أما حزب العدالة والتنمية، فيبدو أنه
وجد في الحراك فرصة لإعادة إحياء قاعدته التنظيمية.
العدالة
المجالية... الخاسر الأكبر وسط الحسابات
وبين كل هذه
الاصطفافات، يبقى الملف التنموي هو الأكثر تهميشًا. فالسكان لا يزالون يطالبون
ببنيات تحتية أساسية، وخدمات اجتماعية ضرورية، لكن التجاذبات الحزبية تُفرغ
المطالب من مضمونها، وتحولها إلى أوراق في معركة السيطرة على صناديق الاقتراع.
ورغم التبريرات
التي تُقدّمها المجالس المنتخبة حول "الاعتمادات المحدودة"،
و"أولويات الجهة"، فإن انعدام الشفافية والتواصل يُغذي شعورًا بالإقصاء
لدى سكان القرى الجبلية، ويعمّق فجوة الثقة بين المواطن ومؤسساته.
آيت بوكماز
تُنذر بما هو قادم
ما حدث في آيت
بوكماز ليس حدثًا معزولًا. بل هو عيّنة حية لما قد تشهده جهات المغرب خلال الشهور
المقبلة، مع اقتراب الانتخابات، واشتداد الصراع الحزبي على الرقعة الجغرافية
والمؤسسات المنتخبة.
وبين من يسعى
لتمثيل السكان ومن يوظف معاناتهم للعودة السياسية، تظل الحقيقة أن "صوت
الجبل" بدأ يعلو، وأن أي تجاهل لهذه الأصوات قد يُفجّر الوضع في مناطق أخرى
تعاني التهميش ذاته.
.png)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق