إلى السيد والي جهة بني ملال-خنيفرة
وإلى السيد رئيس مجلس الجهة المحترمين
الموضوع: من الرؤية الملكية إلى الفعل الترابي
– مقترحات واقعية لتفعيل العدالة المجالية بجهة بني ملال-خنيفرة
تحية تقدير واحترام،
على ضوء التوجيه الملكي الحاسم الذي ورد في
الخطاب السامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والذي شدد فيه قائلاً:
"لا مكان اليوم ولا غد لمغرب يسير
بسرعتين." نجد أنفسنا اليوم أمام لحظة مفصلية من
تاريخ التنمية الجهوية بالمغرب. لحظة تستدعي استحضار روح المسؤولية الوطنية،
والانتقال من منطق التفاوت والتأخر، إلى منطق التدارك والانصاف والالتقاف الذكي
لفرص الإصلاح.
وفي هذا السياق، تبرز جهة بني ملال-خنيفرة
بوصفها إحدى أبرز النماذج التي تعكس عمق الفجوة المجالية والاقتصادية مقارنة بجهات
أخرى من المملكة. لكنّها أيضًا تمثل ورشة مفتوحة على إمكانيات واعدة، تتطلب حُسن
التوجيه والاستعجال في التنفيذ.
أولًا: لماذا جهة بني ملال-خنيفرة
تحديدًا؟
الجهة تحتل مراتب متأخرة في مؤشرات التنمية
البشرية (الصحة، التعليم، الشغل).
هشاشة بنيتها الاقتصادية بسبب الاعتماد المفرط
على الفلاحة، المتضررة من الجفاف.
ضعف النسيج الصناعي والخدماتي، مقابل إمكانيات
كبيرة غير مستثمرة.
مؤهلات سياحية وطبيعية نادرة (شلالات أوزود،
بحيرة بين الويدان، جبال الأطلس...)، لا تزال خارج منطق الاستثمار المهيكل.
إن هذه المعطيات لا تعني أن الجهة محكومة
بالتأخر، بل أنها تحتاج إلى مقاربة بديلة تنموية شجاعة ومندمجة.
ثانيًا: مقترحات واقعية للإدماج
السريع ضمن الرؤية الملكية الجديدة
1- إعادة هيكلة
الاقتصاد الجهوي وتنويعه
التحول التدريجي نحو اقتصاد متعدد الأقطاب:
فلاحي-صناعي-خدماتي.
تشجيع الصناعات التحويلية المرتبطة بالفلاحة
(زيت الزيتون، الأعشاب الطبية، النحل...).
تطوير سلاسل القيمة الجهوية وتوجيه الاستثمار
نحو إنشاء وحدات صناعية صغيرة في القرى والمراكز الصاعدة.
تحفيز الاستثمار المحلي والوطني عبر تسهيلات
جبائية، ومناطق صناعية جديدة خاصة بالصناعات الخفيفة والغذائية.
يجب العمل على مراجعة برامج التنمية الجهوية (PDR) القائمة وتحيينها لتتماشى مع هذا التصور
التنموي الجديد.
2- تأهيل البنية التحتية والمرافق
الأساسية بشكل منصف
توسيع شبكات الطرق والمواصلات لتسهيل الربط بين
القرى والحواضر.
تعزيز البنية التعليمية والتكوينية مع تركيز
خاص على التكوين المهني المرتبط بحاجيات الجهة.
تأهيل القطاع الصحي عبر تحفيز الأطر، وتوفير
تجهيزات استعجالية، خاصة في المناطق الجبلية.
خلق مناطق لوجيستيكية تدعم التصنيع والتصدير
الفلاحي.
3- النهوض بالسياحة المهيكلة كرافعة
اقتصادية
إعداد مخطط جهوي للسياحة المستدامة، يدمج ما هو
بيئي، ثقافي، ورياضي.
تثمين المواقع الطبيعية عبر:
تحسين الولوجيات.
تقنين الأنشطة السياحية.
تشجيع الاستثمار في الإقامات والمطاعم والمراكز
البيئية.
دعم التعاونيات والمقاولات السياحية القروية
وتكوين الشباب في مهن السياحة.
من المهم تسريع إخراج المشاريع السياحية
المبرمجة وتكييفها مع رهانات السياحة الإيكولوجية.
4- تفعيل الديمقراطية الترابية والتخطيط
التشاركي
تحديث البرنامج الجهوي للتنمية (PDR) ليعكس الواقع بعد الأزمات (الجفاف،
كورونا...).
اعتماد مقاربة التميز المجالي (Differentiation territoriale) لتوزيع
الموارد حسب الحاجيات الحقيقية.
إشراك المواطن والمجتمع المدني في صياغة وتتبع
المشاريع.
رفع قدرات الجماعات الترابية تقنيًا وماليًا
لتكون فاعلة في تنفيذ السياسات.
5- العدالة
الاجتماعية كقاعدة للإنصاف المجالي
تقليص الفوارق بين الأقاليم داخل الجهة
(أزيلال، خنيفرة، الفقيه بن صالح...) عبر مشاريع موجهة.
دعم المقاولات المحلية والشبابية عبر صناديق
جهوية ومواكبة حقيقية.
تطوير برامج التشغيل الذاتي وتشجيع العمل
التعاوني في القطاعات الحيوية.
ثالثًا: دعوة للتسريع وربط الخطط
بالمستجدات الوطنية
إن استيعاب الرؤية الملكية الجديدة لا يقتصر
على إعلان النوايا أو إصدار البيانات، بل يتطلب:
مراجعة فورية للبرامج الجهوية وربطها بالتحولات
المناخية والاجتماعية.
إعادة ترتيب الأولويات في ضوء النموذج التنموي الجديد،
وتوجيه التمويلات نحو ما هو مستدام.
الاستثمار في الزمن؛ فالتأخر في التنفيذ يزيد
من الفجوة، بينما الزمن التنموي اليوم أصبح محسوبًا.
السيد الوالي، السيد رئيس الجهة المحترمين،
أمامكم اليوم فرصة تاريخية لتحويل جهة بني
ملال-خنيفرة من جهة تتلقى الدعم إلى جهة تقدم نموذجًا مبتكرًا في التنمية المجالية.
إن ترجمة الرؤية الملكية السامية تتطلب شجاعة القرار، وجرأة التحيين، وسرعة التفعيل. فالتاريخ لا يرحم المترددين.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق