قراءة في أبعاد الهجوم الإعلامي والسياسي على رئيس الحكومة في المغرب اليوم
في الوقت الذي
يقترب فيه المغرب من استحقاقات انتخابية هامة، يشهد المشهد السياسي تفاعلات معقدة
بين مراكز نفوذ مختلفة داخل الدولة وأطراف سياسية وإعلامية متنوعة. الهجوم العنيف
الذي يشنه الإعلامي توفيق بوعشرين على رئيس الحكومة عزيز أخنوش لا يمكن فصله عن
هذا السياق، فهو يعكس صراعات سياسية داخلية، تحولات في موازين القوى، ورغبة في
تشكيل الرأي العام قبل الانتخابات.
أولا:
التوقيت الاستراتيجي للهجوم
خطاب العرش
يعتبر محطة محورية تحدد معالم المرحلة السياسية القادمة، والهجوم الذي تزامن مع
هذا الخطاب جاء ليستغل "زخم" التغطية الإعلامية والسياسية، مستهدفًا
مركز الثقل في السلطة التنفيذية، أي رئيس الحكومة.
هذا التوقيت ليس
عشوائيًا، بل يحمل رسالة قوية لمراكز النفوذ بأن المعارضة الإعلامية والسياسية
قادرة على توجيه ضربات مؤثرة، خصوصًا في فترة تبدأ فيها الحسابات الانتخابية
والتوازنات السياسية بالتشكل.
ثانيا:
استهداف "نقاط الضعف" في منظومة أخنوش
بعد نزع الإشراف
السياسي على الانتخابات من أخنوش، وازدياد نفوذ وزير الداخلية لفتيت في ملفات
التنمية والداخلية، ظهر ضعف نسبي في موقع رئيس الحكومة.
بوعشرين استثمر
هذا الوضع من خلال فتح ملفات فساد مزعومة، فضائح سياسية، وتضارب مصالح، لتوجيه نقد
مباشر لسياسات الحكومة، وبالتالي تحجيم قوة أخنوش وصورته العامة.
ثالثا:
الاستراتيجية المحتملة لأخنوش في الرد
في مواجهة الهجوم العنيف والمركز الذي يشنه توفيق بوعشرين وبعض الأصوات الإعلامية المعارضة، اختار عزيز أخنوش استراتيجية الرد الصامت وعدم الدخول في مواجهات كلامية مباشرة، وهو خيار سياسي مدروس يعكس نضجاً في التعامل مع الأزمات.
تجنب التصعيد
الإعلامي
من خلال عدم
الرد المباشر على الانتقادات والهجمات، استطاع أخنوش أن يتفادى خلق دوامة من
التصريحات المتبادلة التي قد تُشتت تركيز الحكومة وتزيد من استقطاب الرأي العام. هذا
الصمت يظهره كقائد مسؤول يركز على العمل بدل الانجرار إلى "حروب كلامية"
قد تضر بصورة الحكومة.
ترك المجال
للمناصريه
بدلاً من الرد
شخصياً، يعتمد أخنوش على مناصريه وأحزاب التحالف للدفاع عنه وإيصال وجهة نظره، ما
يخلق نوعاً من التوازن الإعلامي، ويجنب الحكومة الدخول في مواجهة مباشرة قد تعمق
الأزمة.
التركيز على
الملفات الكبرى
خلال هذه الفترة
الحساسة، يركز أخنوش على الاستعداد للمرحلة القادمة، خصوصاً إعداد ميزانية السنة
الأخيرة من ولايته الحكومية، والتي تعد فرصة لإظهار نجاحات حكومته وتعزيز شعبيته
بين الناخبين.
استراتيجية الـ
"ريمونتادا" السياسية
الاستعداد لعودة
قوية عبر تحريك الأوراق السياسية داخلياً وخارجياً، واستثمار كل فرصة لتحسين
الصورة العامة للحكومة، ولتجاوز الهجمات الإعلامية بتقديم نتائج ملموسة على الأرض.
رابعا:
صراع مراكز النفوذ داخل الدولة
الهجوم الإعلامي
على عزيز أخنوش لا يمكن فصله عن التوازنات الداخلية بين مختلف مراكز القوة داخل
الدولة المغربية. في السنوات الأخيرة، شهدنا تزايد نفوذ وزارة الداخلية، خاصة عبر
وزيرها عبد الوافي لفتيت، الذي أصبح يلعب دورًا محوريًا في الإشراف على الملفات
السياسية والتنموية وحتى الانتخابات القادمة.
هذا الظهور
القوي لوزارة الداخلية على حساب رئيس الحكومة يضع أخنوش في موقع هشّ، ويقلل من
قدرته على التحكم الكامل في المشهد السياسي. في هذا السياق، يمكن اعتبار توفيق
بوعشرين وأدوات إعلامية أخرى كجزء من هذه اللعبة السياسية التي تسعى إلى الضغط على
أخنوش، وإظهار تقصيره في ملفات حساسة، وبالتالي إضعاف مركزه.
يأتي الهجوم الإعلامي ليس فقط لانتقاد الأداء الحكومي، وإنما كجزء من معركة أوسع داخل دوائر صنع القرار، حيث تتنافس مراكز النفوذ على فرض أجنداتها الخاصة وتحقيق مصالحها. هذه الديناميكية تزيد من تعقيد المشهد السياسي وتضع الحكومة في حالة ترقب مستمرة، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية.
خامسًا:
توظيف الهجوم لتشكيل الرأي العام الانتخابي
مع اقتراب
الانتخابات التشريعية، يصبح الرأي العام هدفًا رئيسيًا للتأثير والتوجيه. يستخدم
بوعشرين، رغم تراجع نفوذه النسبي، منصته الإعلامية لتسليط الضوء على إخفاقات
الحكومة، محاولةً تعبئة قطاعات من المجتمع، خصوصًا الشباب والطبقات المتوسطة،
الذين يشعرون بإحباط متزايد من الأداء الحكومي.
هذا الهجوم يهدف
إلى تقويض ثقة الناخبين في أخنوش وحكومته، وتهيئة الأجواء لبدائل سياسية أو إعادة
ترتيب للصفوف السياسية.
الهجوم العنيف
لتوفيق بوعشرين على عزيز أخنوش في هذه اللحظة الحرجة هو جزء من لعبة سياسية معقدة
تتداخل فيها الأجندات الإعلامية، الصراعات داخل مؤسسات الدولة، ورغبات تشكيل
المشهد الانتخابي. التوقيت الاستراتيجي، التركيز على نقاط ضعف الحكومة، والتعامل
الحذر لأخنوش، كلها مؤشرات على أن هذه المواجهة ليست عشوائية، بل مدروسة ضمن
حسابات سياسية واسعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق