فصل المناصب وتحصين التدبير: منع الجمع بين رئاسة الجماعات والبرلمان






 فصل المناصب وتحصين التدبير: منع الجمع بين رئاسة الجماعات والبرلمان


     في خطوة جريئة وغير مسبوقة، أقدمت وزارة الداخلية المغربية مؤخرًا على تعديل جذري في مسار تدبير المؤسسات المنتخبة، عبر منع رؤساء الجماعات والمقاطعات من الترشح للبرلمان، واضعة بذلك حدًا لتراكم المناصب وتداخل المسؤوليات الذي طبع المشهد السياسي المحلي لسنوات.

فصل السلطات وتجويد التدبير

يرتكز هذا التعديل على فلسفة دستورية واضحة: ترسيخ مبدأ فصل السلط، بما يعزز فعالية الحكامة ويحد من تضارب المصالح بين من يتولى تدبير الشأن المحلي ومن يملك سلطة التشريع الوطني. فكثيرًا ما كان الجمع بين منصب رئاسة الجماعة وعضوية البرلمان مدخلًا لتشتيت الجهود واستعمال النفوذ التشريعي لخدمة مصالح ضيقة على حساب متطلبات التنمية المحلية.

اليوم، وبمنع هذا الجمع، يُفتح المجال أمام منتخبين ملتزمين بمهامهم المحلية، قادرين على تسيير الجماعات والمجالس الترابية دون إكراهات الازدواجية، مما يعزز فرص صعود كفاءات جديدة ويعيد الاعتبار لدور الجماعة كمؤسسة لصنع القرار الجماعي، وليست مجرد منصة عبور نحو البرلمان.

انعكاسات عملية وتحديات واقعية

هذا الإصلاح الذي ينطلق من النموذج التنموي الجديد وتوصيات دستور 2011، يُعيد توزيع السلطة ويمنح مؤسسات التدبير المحلي قدرة أكبر على التحرك بفعالية واستقلالية. لم تعد أطراف الجماعة أو المقاطعة أسيرة أجندات برلمانية أو تحالفات ظرفية، بل أصبحت مسؤولة بشكل مباشر أمام الساكنة وملزمة بالتصدي لمشاكلها اليومية وممارسة الرقابة الحقيقية على الموارد والقرارات.

ومع ذلك، يبقى مدى نجاح هذا المسار رهينًا بتفعيل آليات المحاسبة والمراقبة، حتى لا يتحول استقلال الجماعات إلى فضاء جديد لتكريس الزبونية أو التضارب بين المصالح. تطور المشهد الحزبي نفسه سيبقى مرهونًا بقدرة الأحزاب على تجديد هياكلها واستقطاب نخبة محلية جديدة قادرة على قيادة قاطرة التنمية دون ارتهان للشبكات التقليدية أو التمويل غير المشروع.

تعزيز الشفافية ونزاهة الانتداب

محاربة تراكم المناصب مدخل جوهري لتحقيق ممارسة سياسية ترابية قائمة على النجاعة والشفافية. فقد أثبتت التجارب أن ازدواجية المواقع كانت مصدرًا لممارسات غير سليمة، أضعفت الثقة بين السكان والمؤسسات، وشجعت بعض مظاهر الفساد الإداري والمالي.

لذلك، فإن منع رؤساء الجماعات من الترشح للبرلمان ليس مجرد تغيير شكلي في القوانين بل استجابة استراتيجية لإصلاح عميق يسعى لجعل الجماعات الترابية مؤسسات قوية، شفافة وقادرة بالفعل على الاستجابة لتطلعات وحاجيات المواطن، ويمثل خطوة جريئة في سبيل بناء مغرب المؤسسات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق