لفتيت
يستنفر الولاة والعمال: جيل جديد من البرامج التنموية المندمجة تتجاوز مغرب
السرعتين بعيدًا عن أي استغلال انتخابي
بقلم : محمد المخطاري
في منتصف غشت،
وجّه وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت مراسلة إلى الولاة والعمال، دعاهم فيها إلى
إعداد جيل جديد من البرامج التنموية المندمجة على مستوى الجهات والأقاليم. مراسلة
الوزير لم تكتفِ بالتذكير بضرورة تسريع وتيرة التنمية، بل حدّدت ملامح جديدة:
تجاوز مظاهر مغرب السرعتين، وضمان عدالة مجالية حقيقية، وصياغة مشاريع بعيدة عن أي
توظيف انتخابي.
تجاوز مغرب
السرعتين: رهانات العدالة المجالية
تجربة السنوات
الماضية كشفت عن فجوة تنموية واضحة بين جهات البلاد: مدن كبرى تستفيد من الاستثمارات
الضخمة، مقابل أقاليم تعيش خصاصًا في البنيات والخدمات. توجيه لفتيت يأتي لتدارك
هذا الخلل من خلال مقاربة أكثر شمولًا، تعيد الاعتبار للأقاليم الجبلية والقروية
التي طالها التهميش.
لكن السؤال
الجوهري هو: هل يمكن لهذه البرامج أن تعيد التوازن فعليًا، أم ستظل مجرد شعارات
طموحة؟
البعد
الانتخابي: خط أحمر
الوزير شدد
بوضوح على ضرورة النأي بهذه البرامج عن الاستغلال الانتخابي. فالتنمية ليست مجالًا
للمزايدات السياسية، بل حقٌّ للمواطن في أي مكان وزمان.
غير أن التحدي
قائم: كيف يمكن ضمان أن المجالس المنتخبة ستتعاطى مع هذه المشاريع كـ"أوراش
مواطنة" لا كأوراق انتخابية؟ وهل ستضع وزارة الداخلية آليات رقابة ومتابعة
تحول دون تسييس التنمية؟
الأولويات
الأربع للجيل الجديد
·
المراسلة وضعت أربعة محاور كبرى، يفترض
أن تشكّل العمود الفقري للبرامج المقبلة:
·
النهوض بالتشغيل: عبر تحفيز الاستثمار،
دعم المقاولات الصغرى، وربط التكوين المهني مباشرة بسوق الشغل.
·
تعزيز الخدمات الاجتماعية الأساسية:
تعليم وصحة أكثر جودة، وضمان وصولها إلى المناطق القروية والجبلية.
·
التدبير الاستباقي للموارد المائية: في
ظل ندرة المياه والجفاف، يصبح التدبير الرشيد وتثمين الموارد خيارًا استراتيجيًا
لا رفاهية.
·
تأهيل البنية التحتية: ربط المناطق
المهمشة بشبكات الطرق والنقل والاتصالات والكهرباء لضمان اندماجها في الدورة
الاقتصادية.
منهجية التنفيذ:
بين التكييف والابتكار
أمام السلطات
الترابية خياران:
إما تكييف البرامج
الحالية لتنسجم مع التوجيهات الجديدة. أو ابتكار برامج مبتكرة تنطلق من تشخيص واقعي
وتراعي خصوصيات كل جهة وإقليم.
الخيار الأول
يضمن السرعة لكنه قد يعيد إنتاج نفس محدودية النتائج. أما الخيار الثاني، فهو أكثر
طموحًا لكنه يتطلب وقتًا وموارد ورؤية جريئة.
أسئلة معلقة
·
كيف ستُشرك الساكنة والمجتمع المدني في
صياغة هذه البرامج؟
·
ما هي مؤشرات النجاح التي ستعتمد لقياس
الأثر الحقيقي على حياة المواطنين؟
·
هل التمويل سيكون مستدامًا، أم ستظل
البرامج رهينة بميزانيات ظرفية؟
·
والأهم: هل ستتمكن هذه البرامج فعلًا
من تقليص الفوارق المجالية التي تشكّل جوهر "مغرب السرعتين"؟
مراسلة لفتيت
ليست مجرد توجيه إداري، بل إعلان عن مرحلة جديدة في التفكير التنموي. النجاح يتوقف
على أمرين: القطع مع منطق الحسابات السياسية الضيقة، وإرساء مقاربة مندمجة تُبنى
على التشخيص الواقعي والحكامة الجيدة.
الكرة الآن في
ملعب الولاة والعمال والمجالس المنتخبة: إما أن تكون هذه البرامج جسرًا نحو مغرب
متوازن وعادل، أو أن تتحول إلى مجرد حلقة جديدة في سلسلة وعود لم تكتمل.
.png)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق