الإعلام... من سلطة رابعة إلى فوضى رقمية
الإعلام... من سلطة رابعة إلى فوضى رقمية
لقد دخل الإعلام مرحلة إعادة تعريف لنفسه. فبين التقليدي الذي فقد بريقه والرقمي الذي يفتقر إلى الانضباط، يقف المتلقي حائرًا بين سيل من المعلومات المتناقضة.
لطالما وُصف
الإعلام بأنه السلطة الرابعة، بما له من دور رقابي في كشف الحقائق ومساءلة السلطات
وتنوير الرأي العام. كان الصحافي في الأمس حارسًا للكلمة، يلتزم بالتحقق
والموضوعية قبل النشر، مدفوعًا برسالة لا بمصلحة. غير أنّ المشهد الإعلامي في
العقد الأخير شهد تحوّلًا جذريًا بفعل الانفجار الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي،
فتحوّلت الحرية إلى فوضى، وتراجع صوت الحقيقة أمام ضجيج الإثارة والمحتوى السطحي.
مع انتشار
الهواتف الذكية ومنصّات التواصل، لم يعد إنتاج الأخبار حكرًا على الصحف والقنوات،
بل صار كلّ من يملك حسابًا إلكترونيًا “مراسلًا” يكتب وينشر ويؤثر.
هذه الديمقراطية
الإعلامية المفترضة سرعان ما تحوّلت إلى فوضى رقمية؛ فغابت المعايير المهنية،
وتداخل الخبر بالرأي، وتساوى الصحافي المتخصص بالمدوّن الهاوي، وارتفعت نسب
التضليل والشائعات على حساب الدقّة والمصداقية.
المنصّات
الرقمية، التي كان يُفترض أن توسّع دائرة المشاركة والمعرفة، صارت اليوم بيئة خصبة
للتشهير والتحريض والتزييف، إذ تتقدّم سرعة النشر على جودة المعلومة.
ولأنّ الجمهور
أصبح متلقّيًا متعجّلًا يستهلك الأخبار كما يستهلك الترفيه، فقد تغيّرت معادلة
التأثير: لم يعد الموثوق هو من يتحرّى الصدق، بل من يجيد جذب الانتباه بأكثر
العناوين إثارة.
وفي خضم هذا
المشهد، تراجعت الثقة بالإعلام، وفقد المواطن البوصلة بين الحقيقة والادّعاء، وبين
الصحافي الملتزم وصانع المحتوى الباحث عن الشهرة. وهكذا ضاعت الوظيفة الأصيلة
للإعلام: التنوير والمساءلة وخدمة الصالح العام.
لقد دخل الإعلام
مرحلة إعادة تعريف لنفسه. فبين التقليدي الذي فقد بريقه والرقمي الذي يفتقر إلى
الانضباط، يقف المتلقي حائرًا بين سيل من المعلومات المتناقضة.
إنّ إنقاذ
الإعلام من هذه الفوضى لا يكون بالحنين إلى الماضي، بل ببناء منظومة جديدة من
الأخلاقيات الرقمية، تُعيد الاعتبار للتكوين المهني، وتُحمّل المنصات الإلكترونية
مسؤولية المحتوى المنشور عليها.
فالإعلام ليس
مجرد نقلٍ للأخبار، بل صناعة للوعي، ومتى فقد هذه البوصلة، تحوّل من سلطة رابعة
إلى مجرد صدى للفوضى.
✍️ بقلم :
محمد المخطاري
.png)







