" باراكا " أو عندما يتحول حلم الهجرة إلى كابوس

 




شهدت قاعة العروض بدار الثقافة بمدينة بني ملال يوم الخميس 13 أبريل 2023 على الساعة العاشرة ليلا عرض مسرحية " باراكا " لفرقة مسرح أبو الهيثم ببني ملال . وقد تابع هذا العرض جمهور غفير من عشاق أبي الفنون .

وعن موضوع العرض يقول مؤلف العمل المسرحي الفنان المصطفى غانيم : ( " باراكا " عرض مسرحي تيمته الأساس هي الهجرة السرية ، حيث تدور الأحداث كلها في فضاء رئيس هو منزل خرب( التشابولا ) ، تتداخل فيه فضاءات متوهمة أخرى كالمطبخ والمرحاض وغرفة النوم عبر إشارات مختزلة ، وقطع ديكور وعلامات بصرية (طاولة ، كرسيان ، سريران ، أواني ... ) تتحرك فيه شخصيتان : سعيد والعربي .



سعيد مجاز معطل ، اضطرته ظروف البطالة إلى الهجرة ، والعربي فلاح حتم عليه الجفاف بيع أرضه ومغادرة الدوار نحو بلاد ما وراء البحار . هما إذن مهاجران سريان ، هجرا البلاد لتحسين وضعيتهما الاجتماعية والاقتصادية في بلاد الغربة ، لكنهما يصطدمان بواقع غير ذلك الذي كانا يحلمان به .

سعيد والعربي يلتقيان مصادفة ، ويفترقان دون بلوغ هدفهما ، إنهما ينتظران شخصا قد يأتي وقد لا يأتي وفي يده أوراق إقامتهما ، وما بين اللقاء والافتراق يتعرض النص لعدة قضايا منها: الاستغلال في العمل داخل الوطن وخارجه ، والمعاناة النفسية من أجل الحصول على أوراق الإقامة ،وأسباب الهجرة ،والحرمان . الهروب والمطاردة  والاختباء  والبوح ،  تلك هي رحلة سعيد والعربي في بلاد الغربة . )

ويضيف المؤلف : ( إن العرض المسرحي " باراكا " يقدم لنا زمنين مغايرين لكنهما متكاملان :                                        

- زمن الحاضر : وهو لحظة آنية تتحكم في سيرورة أحداثه شخصيتان. الشخصية الأولى سعيد وهو مجاز معطل ، يبدو هنا شخصية  ثائرة متوترة وقلقة حاولنا استثمار هذا المعطى إخراجيا حيث أبرزنا توتر سعيد في أدائه من خلال نبرة صوته الحاد والمرتفع أحيانا والساخر أحيانا في مخاطبته للعربي وحركاته ونظراته، وطريقة لباسه الذي يبدو من خلاله رجلا أنيقا مثقفا. والشخصية الثانية العربي وهو فلاح ذو شخصية بدوية غير مبالية ينعكس ذلك على طريقة لباسه غير المنسجم من حيث الألوان .                             

- زمن الماضي : وهو لحظة ماضية تتأسس على استرجاع بعض المشاهد( فلاش باك) وتنبني أحداثه على استحضار العلاقة المأزومة بين سعيد والعامل وأبيه من جهة وبينه وبين مدينته من جهة أخرى ، وبين العربي وأهل الدوار، حيث تقوم الشخصيتان بتشخيص هذه الحالات المشهدية السريعة والقصيرة  التي تغذي الأحداث الرئيسية وتدفع بها إلى الأمام والتي تأخذ طابعا استرجاعيا، وتستبعد كل عوامل الرتابة والملل التي يمكن أن تتسرب إلى عوالم المتلقي ، خصوصا وأن العرض يعتمد في كثير من الأحيان على الحكي والبوح ، ولكنهما سرعان ما يستعيدان حالتيهما الطبيعية في نوع من البريشتية مما يخلق تنويعا في الأداء لدي الممثلين ،وتنوعا في عناصر الفرجة لدى المتلقي . كما تعطي هذه المشاهد المتقاطعة / المتداخلة والمتصلة / المنفصلة الانطباع بأن العرض لا يعتمد نصا محددا ، وإنما هوعبارةعن " كولاج " مسرحي .)

وعن التصور الإخراجي لهذا العرض يقول المخرج الفنان عبد الهادي الفلالي : (إن أحداث العرض تقوم على الاختباء والمطاردة .. مطاردة الشرطة للمهاجرين السريين : سعيد والعربي . وقد قمنا باستغلال هذا المعطى لصالح العرض من خلال التركيز على إيماءات الخوف ، وكذا الغوص في الأعماق النفسية للشخصيتين بالتركيز على لحظات الصمت والنظرات الخائفة ، وفي إطالة سعيد النظر إلى النافذة وإطلالاته المتكررة من وراء ستارها نحو الخارج ، وفي الحركة الدائمة الدائبة نحو الباب من أجل التنصت لمعرفة ما إذا كان هناك شخص قريب من الباب . )

ثم يضيف مخرج العمل : ( إن هذه المفارقة بين الحالات النفسية لسعيد والعربي، والعلاقة المأزومة بينهما القائمة على الثنائية الضدية : التوتر / اللامبالاة ، وهذا التناقض في الشخصيتين والملمحين فرض علينا تنويع الإيقاع بين السرعة والبطء ، واستثمار لحظات الصمت لتأكيد ذلك التباعد وتلك المفارقة ، كما فرضت علينا نبرا متعددا في الصوت زاوج بين الارتفاع والخفض من أجل الوصول إلى درجة عالية من التواصل بين العرض المسرحي كإبداع ، وبين المتلقي كمصدر وهدف معني بكل ما يقدمه العرض من رسائل وعناصر فرجوية .                                                

ومن أجل تكسير الرتابة في اللغة الحوارية وتنويع اللغات الدرامية وإعطاء العرض المسرحي وظيفة شاعرية ودينامية موسيقية وإيقاعية تم توظيف أغان وموسيقى تمتح من التراث الموسيقي الشعبي المغربي تتماشى أنغامها والموضوع العام للعرض، حسب الحالة النفسية والمشهدية . )                  

إن هذا العرض يكشف عن جانب اجتماعي بصورة جديدة  ومقاربة غير مألوفة في تصور إبداعي جمالي يقوم على الابتعاد عن الصور النمطية(الأكليشيهات) والأساليب التقليدية والسقوط في الابتذال والواقعية الصرفة بل يسعى إلى طرح الحل الاجتماعي بدل التماهي معه. وذلك في قالب قريب من الجمهور يعتمد على المزج بين المونولوج والحوار والزجل والمراهنة على الأداء الجسدي للممثل من أجل نقل النص إلى لغة حركية ، وكذا الاستعانة بالإشارات والتلميحات .

وتجدر الإشارة إلى أن إنجاز هذا العرض المسرحي أشرف عليه طاقم فني وتقني محترف راكم تجربة فنية وغنية في العمل المسرحي والتلفزيوني وكذا السينمائي ، وهكذا نجد في التأليف الفنان المسرحي والحكواتي المصطفى غانيم ، وفي الإخراج الفنان المسرحي والتلفزيوني والسينمائي عبد الهادي الفلالي ، أما في السينوغرافيا فنجد السينوغراف والفنان التشكيلي خريج المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي الحسين الهوفي ، وفي الإضاءة والمؤثرات الفنان حسن بلكبير ، أما في التوثيق والمتابعة نجد الفنان رضوان أكنكاي ، وفي العلاقات العامة الفنان أيوب الوردي .

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق